استراتيجية مرتقبة لتنظيم القاعدة: مخطط لإغتيال الصحفي الجزائري أنيس رحماني

بقلم: أنور مالك

في تقرير سري يتداول بين أمراء سرايا ما يعرف بـ “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” وحرره مصدر مطلع يحظى بأهمية بالغة لدى قيادته، والتي وافقت عليه بإجماع مطلق بعد مشاورات حثيثة… يكشف إستراتيجية دموية جديدة لنشاطه خلال الأيام القادمة بالجزائر، وأبرز ما جاء فيه أن عملياته ستكون نوعية وأكثر إثارة من ذي قبل، ويستهدف هذه المرة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وذلك من خلال عمليات إغتيال وإختطاف وتفجيرات تكون موجهة بدقة لأبرز المؤسسات حددت الوثيقة: مقر التلفزيون والإذاعة، ومقر وكالة الأنباء الجزائرية، ومقر صحيفة “الخبر” الواسعة الإنتشار…

الكل يعرف أن إستهداف الإعلاميين كان يحدث خلال التسعينيات من طرف تنظيم “الجماعة الإسلامية المسلحة” وكذلك تنظيم “الفيدا” المحسوب على ما يعرف بجناح الجزأرة في جبهة الإنقاذ المحظورة، وقد تخصص في إغتيال الصحفيين والمثقفين والكتاب والمسرحيين مثل الصحفي الطاهر جاووت والمسرحي عبدالقادر علولة والدكتور جيلالي اليابس وغيرهم… وان كانت مصادر مختلفة تعتبر ذلك من أبرز الأخطاء الفادحة التي إرتكبها المسلحون، وكان لذلك الأثر البالغ في الفشل الذريع الذي منيت به المعارضة المسلحة بالجزائر، لكن في السياق نفسه نجد أصوات أخرى تتهم السلطة العسكرية حينها بالوقوف وراء تلك التصفيات من أجل التخلص من الخصوم الشرسين ودفع المؤسسات الإعلامية نحو الإنضواء تحت قبة المواجهة مع الإسلاميين وتمجيد مخطط السلطة في ذلك التوجه الدموي…

وقد جاء التقرير المشار اليه سابقا بعد إجتماع عقده أمراء “التنظيم الإرهابي” وترأسه الأمير الوطني عبدالمالك درودكال المسمى “أبو مصعب عبدالودود” وذلك في مخبأ سري بنواحي تكجدة في شهر أكتوبر الماضي، وقد تناولوا خلالها الإستراتيجية الجديدة الواجب توخيها في ظل النزيف الداخلي والصراع القائم على الزعامة الى جانب ضربات الأمن الموجعة والمتميزة… وقد تقرر حينها ضرورة تغيير الإستراتيجية القتالية ونوعية العمليات التي يكون لها الصدى الأكبر إعلاميا ودوليا، فبعد الحديث عن الأجانب وما تتمتع به تلك العمليات من هالة دولية، دار الحديث على استهداف الصحفيين مجددا وخاصة أولئك الذين خلقوا ما سموها “فتنة داخلية” بين السرايا والفصائل، فضلا عما بلغهم من عدم رضا أسامة بن لادن عن العمليات الإنتحارية الأخيرة التي اغلب ضحاياها مدنيين، وهذا الذي جعل البساط بدأ يسحب من تحت التنظيم، تنبأ خلالها درودكال بميلاد قاعدة جديدة في المغرب العربي، وهذا الذي تجلى في اعلان أيمن الظواهري في تسجيل صوتي بث مؤخرا انضمام الجماعة الاسلامية المقاتلة في ليبيا للقاعدة الأم، مما جعل تنظيم درودكال يفقد مصداقيته ووضع حدا من أحلامه المغاربية، أدى ذلك كله إلى سقوط أسماء بارزة وقديمة في العمل التالي من التنظيم ترى بعض المصادر انه بسبب وشايات تتلقاها مصالح الأمن من طرف مقربين من درودكال، وذلك لتصفية خصومه والمحسوبين على مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال حسان حطاب، الذي سلم نفسه للسلطة الجزائرية، وقضيته تثير جدلا واسعا في الجزائر، ونرى أن السلطة تراهن عليه لإنجاح مسعى الرئيس بوتفليقة، بعدما صار يروج في كثير من الدوائر ما سمي بالفشل الذريع الذي مني به ميثاق السلم هذا…

خلال ما يعرف بـ “الحلقة” لدى الإسلاميين المسلحين توج بإجماع على مبدأ إستهداف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، ليتم الإتفاق على الأسماء المستهدفة التي طرحت على شكل قائمة بها أبرز الصحفيين الجزائريين، وقد إقترح درودكال بناء على “وصايا” تلقاها من جهات مختلفة لم نعرف طبيعتها إسم الصحفي الجزائري محمد مقدم المعروف بـ “أنيس رحماني”، مدير صحيفة (النهار) التي ظهرت للساحة الإعلامية الجزائرية في أول نوفمبر الجاري، وإستقطبت القراء كثيرا لما يتمتع به مديرها من حضور وتميز، أثبت ذلك خلال تجربته في كثير من العناوين الإعلامية بدأ من يومية “الخبر” مرورا على “الشروق اليومي” التي عرفت نقلة نوعية خلال الفترة التي قضاها أنيس رحماني مديرا للتحرير فيها، وقد أكد لنا مصدر مطلع أن الإقتراح قد تلقى الترحاب والإجماع من دون أدنى إعتراض ممكن بين كل أمراء الفصائل، وقد برر درودكال “فتواه” بكثير من المحطات في حياة الصحفي أنيس رحماني، الذي تفرد بأغلب الأخبار الأمنية خلال العشرية التي مضت وفي عز الحرب بالجزائر، وظلت مواقع مختلفة على شبكة الأنترنيت ومحسوبة على القاعدة تروج لما يبرر تصفيته والإنتقام منه، بل أن درودكال أعاد على مسامعهم مقولة تنسب لعلي بن حاج قوله: “أنيس رحماني ضابط مخابرات آذى المسلمين كثيرا الله ينتقم منه”، وتقول المصادر أن ذلك نقله نجله عبدالقهار الى معاقل تنظيم القاعدة، الذي إختفى في ظروف غامضة أسالت الحبر الكثير، وتداولت التأويلات المختلفة مصيره، حتى ظهوره في شريط مصور بثته قناة الجزيرة القطرية وهو رفقة مسلحين إسلاميين…

بالرغم من ان الصحفي أنيس رحماني ظل ممن يثير غضب الكثير من الدوائر، وحتى على مستوى السلطة لما تفرد بملفات مختلفة على رأسها – مثلا – تلك التي أحدثت ضجة كبرى وتتعلق بما يعرف بفضائح التنازل على فيلات تابعة للدولة في موريتي وغيرها لنافذين في النظام، إلا ان حضوره كمتخصص في الشأن الأمني محليا ودوليا وكذلك نشره لكتاب عن الأفغان الجزائريين، إحتوى بين طياته على تقارير أمنية كانت في حكم السرية نال السبق في الحصول عليها ونشرها، جعل الأصابع تتوجه نحوه وخاصة من طرف الجماعات المسلحة، وقد تلقى مؤخرا في جوان الفارط وهو على رأس إدارة تحرير صحيفة “الشروق اليومي” برفقة زميلته الصحفية نائلة بن رحال تهديدات نسبت للقاعدة، وجاءت من طرف شخص مكنى بأبي ذر إدعى أنه ينتمي لتنظيم القاعدة، تحركت الدوائر الأمنية بناء على شكوى منه، حتى ألقي القبض على المتورط في أواخر جوان والذي لم يكن سوى شاب في 24 من عمره وهو متطرف تأثر بالفكر الجهادي، ويتردد كثيرا على منتديات القاعدة التي تحدثت مرات متعددة عن الصحفي المذكور، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية… وقد تقرر في القائمة السوداء تصفية عدة أسماء نذكر منها الصحفي عمر بلهوشات مدير صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية، حمراوي حبيب شوقي مدير التلفزيون الجزائري، والصحفي محمد بن شيكو الذي يعاني من متاعب مع الرئيس بوتفليقة أوصله إلى قضاء عامين بسجن الحراش، علي جري مدير صحيفة الخبر اليومية، الصحفي حميدة العياشي مدير صحيفة الجزائر نيوز، الرسام الكاريكاتوري ديلام… وأسماء أخرى تصل إلى حوالي عشرة صحفيين، إلا أن أمير التنظيم عبدالمالك درودكال قد إقترح الصحفي أنيس رحماني ليكون أول المستهدفين ومن خلاله ومما ستسفره العملية من صدى ومواقف يبت في أمر الآخرين لاحقا…

إن كان تنظيم القاعدة لم يتجه نحو تصفية الصحفيين أو خطفهم على عكس تنظيم القاعدة في العراق، إلا ان ذلك أعتبر من باب إستراتيجيته الجديدة التي قد تجلب له رضا قادة القاعدة الأم كما كان يجري مع الزرقاوي من قبل، وأيضا حتى يبتعد عما علق بالعمل المسلح من جراء الأفعال الشنيعة التي ارتكبتها “الجيا” في السنوات التي مرت، وهذا طبعا لا يعني رضا تنظيم درودكال على الصحافة التي تعتبر العدو الثاني لهم حسب مقررات رسمية متداولة بينهم، وحسب مصادرنا من السجون الجزائرية التي أكدت لنا من أن عملية “طبخ” ما يمكن تسميته بالإنتقام من الصحفي أنيس رحماني بدأ في أجنحة القانون الخاص، حيث أن أغلب المساجين الإسلاميين قد تداولت وسائل الإعلام قضاياهم وتفرد هذا الصحفي بكثير من الحقائق والملفات التي تتعلق بهم، وقد بدأت القضية في سجن الحراش وقام بالتحريض سجين اسمه ح – ب – سمير المدعو سيف الدين والذي ألقي عليه القبض بتهمة التورط في تدريب جزائريين بثكنات الحرس الثوري بإيران عام 2000، وقد تفرد أنيس رحماني بالقضية وأثارها مجددا في الحياة اللندنية بعددها الصادر في: 28 جوان 2005 بعد خمسة سنوات من توقيفهم، سبب الملف متاعبا جمة للمجموعة المتكونة من 7 أفراد، ولذلك قادت حملة واسعة في أوساط المتطرفين الإسلاميين لضرورة الإنتقام من هذا الصحفي الذي اجمعوا على تكفيره في حلقات علمية عبر مختلف السجون الجزائرية، ونقل ذلك عبر الهاتف المحمول الذي كان يتواجد في سجن الحراش بطريقة ملفتة للإنتباه ومثيرة للشكوك، إلى أمراء الجماعة السلفية للدعوة والقتال، غير أن رد الفعل الصادر حينها في جويلية – أوت 2005 بضرورة التأني، لأن المرحلة تقتضي عملا آخر وهو الإلتحاق بتنظيم أسامة بن لادن ونيل صك التزكية منه، وقد قام بالتحريض على ذلك عدة مساجين منهم مجموعة السطو المسلح على بنك بئر خادم في ماي 2005 وبينهم من يتحدر من منطقة مفتاح مسقط رأس الأمير الوطني للقاعدة، وتربطهم علاقات واسعة ومتينة معه، توجت بإتصالات هاتفية متكررة به من الزنازين، ونجد أيضا بوشناق عمر وهو من المسلحين الذين قبض عليهم بنواحي بومرداس، وكان حينها في مقهى أنترنيت يقوم بنشر بيانات للجماعة السلفية التي ينشط تحت لوائها، وهو يتحدر من منطة الأخضرية (ولاية البويرة) وأفرج عنه في صائفة 2006 بعدما إستفاد من إبطال المتابعات القضائية في ثلاث قضايا ثقيلة توبع فيها، وهذا طبعا في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وقد عاد للنشاط من جديد وهو أحد المقربين من أمير التنظيم أبومصعب عبدالودود، وقد قام خلال تواجده بجمع معلومات حول الصحفي وخاصة من وافدين تربطهم علاقة سابقة بالصحفي، وقد ركز بحثه حول علاقات أنيس بالمحيط النسوي والحانات ومدى تردده على الحدائق العامة، وحسبما علمنا من مصدر جد مقرب من بوشناق أن العملية سيتم تجنيد امرأة فيها، ليزيد مصدرنا من أن المخطط تم ضبطه ولم يبق سوى التنفيذ الذي لن يتجاوز هذه السنة… وفي رسالة تحصلنا على نسخة منها أرسلها بوشناق عمر إلى احد رفاقه السابقين في سجن الحراش ننشر البعض مما جاء فيها:

(… بالنسبة لي فأنا قد فك الله أسري بعد جهاد ورباط ولا زلت أذكر تلك الليالي التي سهرناها سويا… وطالما قلت لك خليها على الله)

ثم يزيد:

(عزيزي…

قريبا جدا ان شاء الله سبحانه عزوجل ستسمع أخبارا سعيدة ومفرحة عن أولئك الطواغيت الذين يوحون لبعضهم البعض زخرف القول غرورا وتفرح أكثر لما تعلم بأولئك الذين عذبوك وسجنوك ظلما وزورا لا لشيء سوى أنك مسلم غيور على دينه، سيثلج الإخوة في قاعدة الجهاد صدرك كما وعدتك من قبل وهل تذكر لما قلت لك أنها ستصير قريبا مثل قاعدة العراق ولم تقتنع…)، وقد أكد لنا المصدر الذي تلقى الرسالة من أن الموضوع والوعد المشار إليه هو اختطاف أو اغتيال الصحفي أنيس رحماني…

ونحن نرى أن هذا المخطط الجديد الذي يتجه له تنظيم القاعدة في الجزائر، سوف يزيده دموية أكثر من ذي قبل، وسيجلب له السخط الداخلي والخارجي، في ظل ما يتردد إعلاميا عن “حرب الأمراء” التي يعيشها هذا التنظيم، منذ العمليات الأخيرة التي استهدفت المدنيين في أغلبهم، مما جعل كبار منظري الفكر الجهادي يتبرأون منه ومن الإتجاه الذي فرضه درودكال، وقد حاولوا كثيرا تلميع أعمالهم ومحاولة الظهور بمظهر يعكس رفضهم المطلق لمنهج عنتر زوابري الدموي التكفيري، الا أن الواقع عكس ما تحمله الشعارات والبيانات… وهذا طبعا يحمل النهاية وبسرعة مثيرة إلى معاقل ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وربما يعلن حله وبأمر من قيادة القاعدة الأم والمتمثلة في أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق